ليلة القبض على الرئيس
" أعتذر أشد الاعتذار، فقد وقع خطأ لن يتكرر " ، هذه كلمات لملك إسبانيا خوان كارلوس الأول (74 عاما) حيث قام بالإعتذار العلني لشعبه بعد سيل الانتقادات التي وجهت إليه لذهابه لرحلة صيد الفيلة، في وقت تعاني فيه إسبانيا من أزمة اقتصادية حادة، ولم يقم كارلوس باصطياد حشرة ولا قتل عصفور ولا إصابة كلب ، ولم يقم بتصوير مشهد تمثيلي للتنكيل بحمار ولا إهانة أرنب ، ولربما لإنسانيته التي دلت عليه من خلال هذا الموقف لو لدغته أفعى لا أظن انه سيأمر بقتلها ، ومع ذلك تم إلقاء القبض عليه متلبساً برحلة حقيقية وليس مسرحية يظهر فيها بطلاً قومياً فشعر بأنه أرتكب جرم لا يغتفر فاعتذر بشدة ، وأثناء رحلته لم يدع حراسه إلى إهانة الفيلة أو حتى حمار ، ولم يطبّع مع حارس الحديقة ، وهذا الحال يذكرنا بفاطمة التي هربت إلى سور سطح المنزل وهددت بإلقاء نفسها إذا اقترب أحد منها بعد ان علمت بأن أخوها جلال يقوم بأعمال مشبوهة مع الجيش الإنجليزي عام 1956 .
يدل موقف فاطمة على مدى تمسك العرب بأرضهم المغتصبة ولا يمكن التعامل مع مغتصب في مشهد خيالي لا واقع له يسمى ( ليلة القبض على فاطمة ) ، لم تنتحر فاطمة ولم تتحرر الأرض العربية بعد أكثر من خمسة وعشرين عاماً من إنتاج الفلم .
أغلب الناس شاهدت على شاشات التلفزة البهائم في سوريا وهي تعمل على إهانة وإذلال الشعب المطالب بالحرية ، وأخص بالذكر ذلك البهيم الذي صعد على ظهر شاب معتق الأسى وذلك من اجل إهانته وإذلاله فقط لأنه وضع على ناقلته علم الإستقلال ، ومن ثم الإعتداء عليه من قبل مجموعة من الدواب الذي يتعالون بالسخرية على هذا الشب . مشهد حقيقي تكرر كثيراً بعيداً عن كاميرات التصوير ويبدو أن الممثلين السورين لم يقوموا بتصوير مثل هذه المشاهد بعد أن أشبعونا درامة لا واقع لها ، وأظهروا لنا بطولات فكاهية تم أكتشاف واقعها المؤلم بعد الثورة ، وعلى ما يبدو أنهم الآن عاكفين على تصوير عمل لإظهار بطولات الشبيحة في الشوارع ويصورون ما يقومون به هو عمل مقاوم وممانع كما هي الدولة ، بعد أن غابوا عن المشهد الحقيقي ووقفوا خلف الكواليس واكتفوا بدور المشاهد على قتل أخوانهم وتعذيبهم على يد جلادهم بعد مرور ما يزيد عن سنة من القتل والتعذيب والتهجير والاهانة والذل والقهر والحرمان .
صور عربية يائسة تجسدت في درامة تتلاعب بعقول البشرية ، فلا مشهد حر ولا ممثل صاحب رأي ، والمخرج منكب على وجه يشكل حالة صراع بينه وبين الواقع الذي يحيط به فيكتفي بالتقاط مشاهد خارجة عن السيطرة ، ودون المساس بأكثر الشخوص ظلماً بإعتباره صنماً يعبد وأب روحي لهم ، وإلا لما هجر وقتل وعذب وصلب الشعب . فلم نشاهد فلم فرنسي مثلاً يصور احتلال فرنسا لدولة عربية أو فلم أنجليزي يصور حالة الضعف العربي أثناء الإحتلال له ، بينما نشاهد مئات الأفلام والمسلسلات العربية التي تظهر شجاعة العرب في دراما تاريخية تعصف بالإعلام العربي في وقت تـُحتل فيه فلسطين وتغتصب الكرامة في العراق وتصادر الحريات في سوريا وتسرق بطون الصوماليين وما شابه ذلك من أدوات غربية تآمرت على الأمة العربية ، حين وفرت الأجواء المناسبة للطغاة لحكم شعوبهم بالظلم ،حتى نضجت العقول العربية وأتضح إن تحرير البلاد وإسترداد الكرامة والحريات العربية وملؤ البطون بالشجاعة ، لا يكون إلا بتحريرها داخلياً من أدوات الفساد والظلم والقهر المخيم على الأرض العربية ، فقام بما يسمى بالربيع العربي ، لا مسلسل ولا مسرحية بل قصة حقيقية بطولة شعوب مقهورة يائسة أنشقت عن المزمرين الذي وقفوا خلف المايكروفونات ، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ينادون بما يعرف باسم الحلم العربي ، وأكتفوا بتزيين ثيابهم والحلي يغطي صدور الراقصات على شعب ولد حياً كي يبقى ، فلا أغنية تحرر بلد ولا راقصة تعيد للأمة أمجادها . ونحن ما زلنا نُحتل داخلياً بفكرنا المعقود بثوب التطرف والإقليمية والعنصرية والتعصب القبلي والتخلف الفكري والتفشي اللا أخلاقي والفساد وغير ذلك .
فالكيان الإسرائيلي المحتل أفضل من كافة الدول العربية فيما يتعلق بالديمقراطية والنزاهة السياسية (بدليل القوائم السنوية التي تصدرها منظمات العالم المختلفة) التي تظهر هذا الكيان المغتصب لأرضنا الحبيبة فلسطين لا يوجد فيه فساد ، ولا يوجد عنصرية عند هذا الكيان إلا مع العرب فعملت على استقطاب الكفاءات العلمية من يهود العالم، بل وعرضت على انشتاين ألماني المولد تولي رئاسة أول حكومة فيها وإينشتاين للتوضيح لا ينتمي الى عشيرة يهودية ولا عائلة إسرائيلية ولا تابع لمضافة حزب الليكود ولا قبائل حزب العمل ، لكنه رفض ذلك لأنه كان علمانيا يرفض مبدأ الدولة الدينية، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي استقطب الكيان الصهيوني العلماء الروس في مجال الذرة وصناعة الصواريخ ما يفوق دول العالم مجتمعة، وفي وقت كانت فيه الشعوب العربية تعاني من الأمية كانت إسرائيل منهمكة في بناء مفاعل ديمونة النووي ،ورغم تفوقنا لاحقا في فتح القنوات الفضائية المشفرة تفوقت إسرائيل دائما في فتح الشفرات الأمنية للدول العربية.. وفي حين فشلت جهودنا في رفع بنطال طالب جامعي لحد الخصر بدل ما هو _ ساحل_ نجحت إسرائيل في رفع صواريخ "أفق" و "عاموس" فوق الغلاف الجوي ، واكتفينا نحن العرب ان نكون أكثر دول العالم أهلكوا مجلس الأمن بالاجتماعات لكثرة مشاكلنا .

يؤسفني واللوعة تلم بالقلب الذي أولى الحب لأمته العربية والظلم الواقع عليها وأنشد الحنين لقضية مسلوبة تاهت خلف أسوار الدجى تسمى فلسطين أن أذكر صفات الكيان الصهيوني وإنعكاساته على مرتزقته ، لا أدافع عن كيان محتل لأرضي وليس لدي إنتماءات لغير القومية العربية ، وجنسيتي هي الحرية ولا إثم عليها ، والكرامة وسام شرف عربي عن جدارة وإستحقاق حينما تسقط الأقنعة الزائفة عن وجوه من تم إلقاء القبض عليهم ، ومن زالوا يذكرونا بعصور مضت من خلال الأعمال الوحشية التي يقومون بها ، فسقط زين العابدين حين هرب ، وسقط حسني مبارك حين أعتقل ، وسقط القذافي حين قتل ، وسقط علي عبدالله حين تاه في الغياهب . رحلوا ولم يتركوا لهم ولد نافع ينتفعون به ولا عمل صالح أخذوا معهم . ومازال الحبل يترنح على أسوار دمشق ينتظر سقوط الليل في ليلة تسمى ليلة القبض على الرئيس عندها يكون تحقق الحلم العربي في الربيع العربي .

>> من مجموعة في صفحتي الخاصة ريشة الأدب <<