أين الخلل ؟ (2)
لونك المفضل
الألوان

منتدى شملت والنيه اربد



كلمات دليلية:

أين الخلل ؟ (2) Emptyأين الخلل ؟ (2)

ahlam
ahlam
vip
vip
 نُشر في السبت 22 مايو 2010 - 2:28

أين الخلل ؟ (2)
د. علي بن عمر بادحدح
المقدمة
كان الشق الأول من الحديث يسلط الضوء على الأفراد ، وعلى الخلل في النفوس ، والممارسات الشخصية ، والتفريط في الولايات التي كلف الله - سبحانه وتعالى - بها كل فرد مسلم .
وحديثنا اليوم يتناول دائرة أوسع ، سبق أن أشرت إليها في الدرس الماضي ، وسيكون هذا الموضوع متضمناً لمقدمة عن الغرض والهدف ، الذي ينبغي أن نخرج به من هذا الموضوع ، ثم عرض للجوانب الثلاثة ، جانب الحكم والسياسة ، ثم جانب التربية والتعليم ، ثم جانب التوجيه والإعلام ، وفي كل جانب من هذه الجوانب سيكون الحديث منقسم إلى قسمين :

القسم الأول : أهمية الجانب ومدى قوته وتأثيره
القسم الثاني :مظاهر وصور الخلل في هذا الجانب

وأقول ابتداء إن الناظر لا تخطئ عينه صور الخلل ، والمفارقات الكبيرة ، والمباينات الشاسعة بين واقع الأمة ومنهج الإسلام .
فالناظر يرى صور الانحراف كثيرة وعميقة ، و متعددة الأمثلة ،وبيّنة فيما تبديه من ممارسات ظاهرة أو مستترة ، حتى إن الإنسان إذا أمعن في جمع هذه المتفرقات ، وأكثر من حشد الأمثلة والصور ظهرت حينئذ ربما صورة مفزعة ، تجعل اليأس يدب إلى بعض النفوس ، ويفت هذا الأمر في عضدها ، ويوهن من عزائمها ، والحق أن المسلم ينبغي أن لا يكون كذلك ، بل يدفعه ذلك إلى عمل إيجابي بإذن الله عز وجل .
ما أود أن أقوله أن الصورة فيها كثير من البعد عن الواقع الإسلامي المفروض ، كما عبر عن ذلك القائل عندما استدعى صور مدن الإسلام وحواضره القديمة ؛ ليستنطق تاريخها الذي شهد تطبيق الإسلام والتزامه في صورة شاملة أو على أقل تقدير ، هي أفضل بكثير مما انحدرت إليه الأحوال في هذه الأعصر ، قال الشاعر:
فسل المدينة كم رأت من مجدنا **** إذا كان فيها للهدى أنصار
واسأل دمشق عن الذي شاهدت **** وبها معاوية الفتى المغوار
وانظر إلى بغداد واسأل ساحها **** أين الرشيد وصحبه الأخيار
وبكوفة سـائل جميع ربوعها **** هل كان للإسلام فيك منار
تجد الجواب لدى الجميع مطابقا **** لم يبق إلا الظل والآثـار
أما الرجال فقد مضوا من يومهم **** وتقلبت ببنيهم الأعصار

ولذلك أيضاً نستحضر حديث أبي الدرداء ، عندما دخل على أم الدرداء مغضباً شديد الغضب ، وكان سر غضبه أنه رأى تحولاً وتغيراً في حال الأمة ، عن الصورة التي كانت عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذلك قال : إنه أنكر أكثر الأشياء إلا ما رأى من أمة محمد وحفاظهم على صلاة الجماعة ، وقال ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث في فتح الباري : " رحم الله أبا الدرداء لو أدرك زماننا " أي كيف لو أدرك زمانه فرأى الهوة السحيقة ، والبعد الشاسع ، والتغير الجذري والانحدار المخيف المرعب ، فيما تردت إليه أحوال الأمة ، ابن حجر يقول ذلك وهو في القرن التاسع ، فكيف كذلك لو أدرك زماننا ؟ حتى إن الإنسان ربما يبحث بالذات عما سنتحدث عنه ، فيكاد لا يجد إلا ما ذكر الشاعر من الظلال والآثار ، سواء كان في وسائل الإعلام ، أو في وسائل التعليم ، أو في نظم الحكم ، أو في غير ذلك من الصور، حتى قال القائل يرثي حال الأمة :
بلغت أمتي من الذل حدا **** فاق في سوءه جميع الحدود
فلقد أصبحت تجر خطاها **** مثقلات في ذلة ونكود
خلف كل الورى تجر ما قد **** جربوه من طارف وتليد
بعد أن كانت العزيزة صارت **** رمز ذلة وأمة التشريد
عبث الطامعون في كل شبر **** من ثراها حتى كلاب اليهود
وغدا جندها الأوباش جندا **** للشياطين في كل البنود
بعضهم يتبع النصارى وبعض **** يتبع المنكرون للمعبود

أشرت في الدرس الماضي أن مثل هذه الأحاديث يستعذبها بعض الناس .. تداعب عواطفهم ، وتخاطب حماسهم المكبوت ، وتستدعي غضبهم المكتوم ، ولكنهم لا يراوحون أماكنهم بعد ذلك ، فليس هذا الحديث ولا هذا الموضوع لغرض الاستمتاع وإمتاع الخيال بهذه الصور وتلك الأخطاء ، وليس هو كذلك للإثارة أو للتهييج وإنما هو لأسباب ثلاثة ولعل هذه الأسباب تجمع كثيراً من الأسباب الفرعية المندرجة تحتها .

سبب الحديث في هذا المواضيع
السبب الأول : التوعية نريد أن يتحقق من هذا الوعي التام والإدراك الكامل، فلا يظن المسلم أن الحق باطل ، والباطل حق ، ولا يمارس الناس الأخطاء وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً .

السبب الثاني : التحذير حتى نأخذ بمبدأ الوقاية قبل العلاج ، وبمبدأ الحماية للآثار التي تجرها هذه الجوانب ، وتدفع بها في وجه الإنسان ، وتضغط بها على ممارساته في الحياة .

السبب الثالث : وهو آكدها وأهمها ، استشعار المسئولية والقيام بالواجب نحو إصلاح هذه الأحوال
فإنه لا ينبغي لنا أن نندب حظوظنا ، ولا أن نبكي أحوالنا ، بل ينبغي لنا أن يستفز ذلك الإيمان الكامل في قلوبنا ، ويقوي العزم والإصرار على التشبث بديننا ، وأيضاً أن يبين لنا الصورة الواضحة لأعدائنا ، ومن يسيرون في فلكهم من العملاء ، وأن يوجهنا ذلك كله إلى ضرورة القيام بالدعوة ، وحمل رسالة الإسلام ، وأن نستدعي وراء ذلك الأسباب التي تهيئ النجاح من صحة المقاصد ، ومن لزوم التعاون ، وجمع الصفوف ، ومن ترتيب الأولويات ، وما يلحق بذلك من حشد الإمكانات والطاقات ؛ لأن معركة الحق والباطل معركة عميقة في الجذور ، متعددة في الصور ، ممتدة في الزمان ، لا يمكن أن تتغير بصورة سريعة .

ولذلك من جميل القول وبديع التعبير ما عبر عنه أبو الحسن الندوي ، فيما يتعلق بمسائل التغيير الجذري الذي يقع بتدرج بدون أن يشعر به الإنسان ، يقول : " هناك أمران لا يحدد لهما وقت بدقة : النوم في حياة الفرد ، والانحطاط في حياة الأمة فلا يشعر بهما إلا غلبا واستويا " لا يمكن أن تحدد اللحظة التي نمت فيها بالدقيقة والثانية، لكنك تراوح بين إجهاد وترنح ، وبين نعاس وغفوة ، ثم إذا استوى النوم وتمكّن ، حينئذ يقال : إنك نمت، وكذلك أمر الانحطاط تبدأ معالم من هنا، وتبدأ صور من هناك ، وتحدث ثقوب هنا وأخرى هناك ، لا يشعر بها الإنسان ، ثم بعد لحظات من الزمن يقول : قد حصل هنا أمر، وتغيير تسرب شيئاً فشيئاً ، وتسلل إلى العقول والأفكار، وتشربته النفوس والقلوب، ثم أصبح بعد ذلك أمراً واقعاً في التطبيق سواء رضي به الناس أو اغتروا به ، وظنوه صحيحاً، أو رفضوه فإن رفضهم في حقيقة الأمر ابتداء لا يغير من الواقع شيئاً .


الحكم والسياسة
أهمية الحكم والسياسة
أولاً : السلطة التنفيذية تحت تصرفه
فهو يصدر قرارات للتنفيذ ، وليس توصيات للدراسة ، فرق كبير بين مؤتمرات تقام وبحوث تقدّم ، وآراء تناقش ، ثم توصيات ربما أحياناً لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به ، أو الأوراق التي طبعت عليها ، لذلك عدِّد ما شئت من الآراء ، والأفكار ، والمقترحات كلها لا تساوي قراراً له فاعلية التنفيذ والظهور على ساحة الواقع ، فأبرز مجالات الأهمية والخطورة في الجانب السياسي ، أنه يملك السلطة التنفيذية التي تنقل آراءه وأفكاره إلى الواقع نقلاً واضحاً.

ثانياً :تملك المقدرات الأساسية للأمة
فهو الذي يستطيع أن يجمع المعلومات ، وأن يعرف الثروات ، وأن يجمع الطاقات ؛ لأن بيده - كما أشرت - من قبل مقاليد السلطة ، ولذلك المقدرات الأساسية التي يقع بها التنفيذ والتغيير ، هي أيضاً واقعة تحت هيمنة هذا الجانب .

ثالثاً : وضع السياسات ورسم الخارطة لكل جوانب الحياة المعاصرة
فهو يضع سياسة الإعلام ، ويضع سياسة التعليم ، ويضع أسس الاقتصاد ، وبالتالي فهو إلى حد كبير تظهر بصماته في كل جوانب الحياة ، ظهوراً واضحاً أو قاهراً كما أشرت من قبل .

رابعاً : اختيار الساسة والقادة للمؤسسات العامة
هو الذي يختار المنفذين ، سواء أكانوا أفراداً ، أم كانوا هيئات أو إدارات معينة تسير وفق السياسة العامة ، والهوى المطلوب الذي يكون لهذا الحاكم ولتلك السياسة ، وبالتالي يجد الناس أنفسهم محاصرون بعصابة تحكم القبضة عليهم ، وليست ظاهرة في فرد أو أفراد محدودين ، بل هي ظاهرة في عدد من الأفراد ، وعدد من المؤسسات ، تمارس الأدوار بشكل تلقائي واستمراري ، وفي كل ناحية من نواحي الحياة .

ونعلم جميعاً أن هذا الدين قائم على مبدأ : { إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم } ، فهذا الإسلام وهذا الدين قائم على أن الحكم فيه ، والسياسة فيه مؤسسة ومنبثقة من هذا الدين ، لا تخرج عنه ، بل تخضع له، ولا تخالفه بل توافقه وتتابعه ، ولذلك كل مظاهر الحياة ، وأنظمة المجتمعات لا بد أن يحكمها الإسلام ، وأن تظهر عليها صبغته .. { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون } ، وقال جل وعلا : { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } ولذلك أيضاً لا إقرار لمبدأ ، لا سياسة في الدين ، ولا دين في السياسة ، ولا لمبدأ : دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله ، بل ينبغي أن نعلم أن النظام السياسي في كل مجتمع كالقلب للجسد، إن صلح كان ذلك بداية صلاح الجسد كله ، وإن فسد فالغالب هو بداية لفساد يشيع ، ويعمّ ، وينتشر .


مظاهر الخلل في جانب الحكم والسياسة
المظهر الأول : إلغاء الخلافة الإسلامية
ويتبع ذلك فقدان الوحدة للأمة المسلمة ، إن أهم أسباب الضعف والخور والخلل هو أن هذه الأمة التي يخاطبها الله - عز وجل - بقوله : { وأن هذه أمتكم أمة واحدة } صارت أمماً عديدة وسيأتي ذكر بعض المظاهر التي تجعل هذه الأمم العديدة في كل أمة منها أقسام كثيرة وفرق دخيلة، حتى أصبحت الدائرة ضيقة، وكما قال القائل:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا **** إذا افترقن تكسرت آحادا
وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، فإذا تجزأت سهل التهامها، وافتراسها، واحتلالها ، واغتصابها ، كما وقع لهذه الأمة ، عندما وهت عروة رابطتها ، وانحل عقد خلافتها، عندئذ تمزقت ، وكان هذا أول خلل ، وأول معولٍ هدم في بنيان الأمة ، من عام 1343 هـ والموافق عام 1924م ، وحتى يومنا هذا ما تزال الأمة تجتر الآثار المريرة ، لذلك الحدث الخطير الذي دأب أعداء الله عز وجل، دهراً طويلاً وبذلوا جهوداً ضخمة وتآمروا مؤامرات عديدة، حتى وصلوا لهذه النتيجة التي هي بالنسبة لهم أعظم النتائج.

المظهر الثاني : تنحية الحكم بالشرع وإقرار القوانين الوضعية
لما وهت الخلافة ودخل الاستعمارـ أو الاستخراب على التسمية الحقيقية ـ وتم إلغاء الخلافة ، وكان على إثر ذلك مجئ الأحكام الوضعية، مستقدمة من فرنسا ومن إنجلترا إلى غير ذلك ، وحكمت الأمة ولا تزال في معظم ديارها ما تزال تحكم بغير شرع الله عز وجل ، وبالتالي هذه في حد ذاتها، تكاد تنسخ وتلغي كثير من مصداقية وصف الإسلامية على كثير من الدول ، ولذلك انحصرت الأحكام في دوائر محدودة - كما يسمونها دائرة الأحوال الشخصية - وحتى هذه الدائرة أيضاً تم الاجتزاء منها ، حتى لم يبق من تحكيم الشرع إلا أقل القليل الذي يعتبر صورة ظاهرية أكثر منه حقيقة واقعية .
ولذلك نجد أن الإعلام والتعليم والاقتصاد وغير ذلك من أمور الحياة المهمة ، لم تعد خاضعة لشرع الله - عز وجل - ولا محتكمة إليه ، وظلت دوائر معينة أوقاف أو وزارات للأوقاف ، وبعض المحاكم وبعض البرامج الدينية ، هي التي تمثل الغلالة الرقيقة من الإسلام تستر بها كثير من الأنظمة عورتها اللإسلامية ، وهذه لا شك أنها تفرَّع عنها بلاء مستطير ، وشر خطير، هي ما أفرزته بعد ذلك من الصور التي يأتي ذكرها حتى في الجوانب الأخرى .

المظهر الثالث :اعتماد النظم الديكتاتورية على غرار المنهجية الفرعونية
التي يتسلط فيها الفرد على الأمة ، وهو من أخطر هذه الجوانب والمظاهر، والتي تختزل فيها عقول الملايين ، في عقل واحد ، وأبصار الملايين في عينين اثنتين ، وألسنتهم كلها في لسان ناطق جمعت له زوراً وبهتاناً كل أسباب العظمة والذكاء والفطنة ، على غرار ما قال الله - عز وجل - على لسان فرعون : { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } ومارست هذه النظم إلصاق كل نقيصة وكل رذيلة بكل مسلم شريف، وبكل مسلم ملتزم ، على غرار منهج فرعون أيضاً ، لما قال الله - عز وجل - على لسانه في شأن موسى : { إني أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد } فصار المصلحون مفسدين ، وانعكس الحال رأساً على عقب ، ومارس الفرد الذي تسلط على مقدرات الأمة وشعوبها ، عندما ضعف الإيمان في قلوبهم ، وذهبت الغيرة من نفوسهم ، وماتت العزة في دمائهم ، وكما يقول صاحب الظلال : " ما يكون ذلك في أمة رشيدة قط وما يكون ذلك في أمة عزيزة قط " . و ما يكون لفرد أن يتحكم في أمة ، ولكنها الأعناق مدت له فجر والظهور حنيت له فركب ، ولو كانت الأعناق شامخة ، والأجساد منتصبة ، ومقولة الحق تجد طريقها من قلوب شجاعة ، وأقدام ثابتة ، لما حصل ذلك التردي في الأمة حتى صار كما هو حال كثير من ديار الإسلام ، فرد يميلها يميناً ويساراً ، ويتلاعب بها حسب هواه ، ونزواته ، وحسب مصالحه الشخصية والفردية، ولذلك هذه الصورة هي التي دمرت كثيراً من مقومات الحياة ، والقوة في الأمة المسلمة .

المظهر الرابع : التبعية لأعداء الإسلام في أنظمة الحكم وممارسات السياسة
ومن لطيف القول ما أشار إليه بعضهم في الشروط الصحيحة للخلافة الإسلامية ، يذكر أهل العلم منها الحرية ، بمعنى أنه لا يصح للعبد ولاية الإمامة العظمى في حياة الأمة ، وحينئذ تطرق بعض المعاصرين إلى معنى الحرية من حيث الناحية الحقيقية أو المعنوية ، أو هل المقصود بالعبودية أن يكون عبداً رقيقاً ، أو أن يكون فاقداً لاختياره ليس له من أمره شيء ولا حول ولا طول .
ولذلك كرّس أولئك الذين تسنّموا مقاليد الحكم - ولا يزالون في كثير من ديار الإسلام - تبعية الأمة في سياساتها ، وفي حكمها ، وفي نظمها ، وفي طريقة حياتها للأعداء ، ومن هذه الصور التي تؤكد هذا هو التفريط في مقدرات وطاقات الأمة ، وتقديمها على أطباق من ذهب لأعداء الأمة ، فتعطى لهم الامتيازات ، وتمنح لهم المخصصات ، وتفتح لهم الأبواب ، ويقيمون الشركات ، ويستثمرون الطاقات .. إلى غير ذلك من الصور، ثم تأسيس بناء العلاقات مع الدول ، بناء على رضى أولئك الأسياد .

ولذلك نرى - حتى هذه اللحظات - أن الدول الإسلامية تنتظر لتعترف بدولة ، أو لتقول رأياً في مسألة ، أو تتخذ قراراً في تصويت تنتظر الأسياد الكبار التي تتبع لهم من شرق الأرض أو من غربها ، أو القوة العظمى - كما يقولون -الآن أمريكا ، وتتوقف كل مناشط الحياة حتى تنتهي انتخابات أمريكا ، أو تتوقف كل القرارات حتى تصدر قرارات البيت الأبيض ونحو ذلك ، هذه التبعية ما كانت إلا نتيجة لتلك التفرقة بعد إلغاء الخلافة ، و الحكم بغير ما أنزل الله ، ثم تلك الفردية والدكتاتورية كرسّت بعد ذلك هذه التبعية في حياة الأمة المسلمة رغم شعوبها وأبنائها .

المظهر الخامس : المحاربة السرية والعلنية للإسلام
من المفارقات المبكية الدامية أن الإسلام يضرب بأيدي أبنائه أو المنتسبين إليه ، وأن الحكومات الإسلامية إذا صح هذا الإطلاق هي التي تقوم نيابة عن الأعداء ، وبالأصالة والوكالة والنيابة عن اليهود والنصارى بمقاومة الإسلام ، وإعلان الحرب عليه بكل صورة من الصور ، ولا أظن المسلم الواعي يحتاج إلى أدلة ؛ فإنه إذا أراد دليلاً سيفاجأ بأن أمامه مئات من الأدلة ، وليس العشرات منها ، ففي الوقت التي تحكم فيه محاكم غربية أجنبية نصرانية فتاة مسلمة بأمر الحجاب ، وأن لها الحق في ذلك ، وأن هذا حرية شخصية ، تأتي زعامات إسلامية تدَّعي الإسلام ، تخالف أيضاً أحكام أسيادها ، وتقول هذا غير صحيح ، وهذا ليس من الإسلام في شيء ونحو ذلك ، وتمارس هي الضغط المباشر لتغيير الواقع .
ثم الصورة الواضحة في توجيه الضربات العنيفة ، والقاصمة ، والمتتابعة للحركات الإسلامية ، والأعمال الإسلامية بصور شرسة ، لسنا نحن الذين نقولها ، بل تقولها الأجهزة الغربية ؛ كمنظمات حقوق الإنسان ، والمنظمات الدولية ، والتي بات كثيراً منها يجأر بالشكوى ، ويعد التقارير إثر التقارير كما سبقت الإشارة ، ويعلم كثير منكم عن التقرير المطوّل عن حقوق الإنسان في تونس ، وتقرير إحدى الهيئات الأمريكية عن انتهاك حقوق الإنسان في مصر ، وكثيرة هي الدول الإسلامية التي تعاني من ذلك من خلال هذه الممارسات . وأضف إلى ذلك الحرب السافرة على كل مظهر إسلامي ، حتى المظاهر التي هي أبسط المظاهر مثل الحجاب ، والسواك ، أو لبس الثوب بدل من البنطال ، أو حتى الشريط الإسلامي ، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك في درس هجوم الصحافة ، أو المجلة الإسلامية ، أو المقالة ، وتأتي المصادرة والملاحقة بكل إمكانيات تلك الدول والأنظمة .

وحتى الحرب على أشخاص الدعاة أنفسهم بالتضييق عليهم في أرزاقهم ، بتشويه سمعتهم ، بإثارة الشبهات في أعراضهم ونحو ذلك من الأمور ، حتى كأن همَّ هذه الأنظمة يتعلق بهؤلاء الأفراد ، وبتلك المظاهر ، ونسوا حال الأمة واقتصادها المتهالك ، وهزائمها العسكرية المتتابعة ، وتردّيها ، وتخلفها العلمي والتقني ، وانتهت كل المشكلات ولم تبق إلا مشكلة واحدة ، تقوم بحلها الأنظمة في كثير من الدول الإسلامية ، هي تصفية الإسلام والإسلاميين كما يقولون ، خسروا وخابوا {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } .
حتى في فلسطين التي يحكمها اليهود يتولى أيضاً الممثل الشرعي الوحيد – كما يزعمون – للفلسطينيين مهمة القيام بضرب الصحوة الإسلامية ، والانتفاضة المباركة بالنيابة عن اليهود ، يعني ليس في فلسطين حكومة عربية ، أو إسلامية الممثل الشرعي الوحيد حركة فتح تقوم - كما نسمع في الأخبار - بدور الحكومة الداخلية في قمع الحركة الإسلامية الجهادية ، وفي مناوئة الانتفاضة التي أقضت مضاجع اليهود .

المظهر السادس : إثارة القوميات والنعرات الجاهلية لتمزيق الأمة الإسلامية
وهذه صناعة من صناعات الساسة ، ومن ألاعيب أنظمة الحكم ، فما من بلد إسلامي إلا ونسمع فيه مشكلة أقلية ، ومشكلة عرقية ، ومشكلة مذهبية ، مع أن عوامل الوحدة في الأمة الإسلامية تتوافر بما لا يكون في غيرها أبداً ، ولكن سياسة " فرّق تسد " ، التي أيضاً بنى عليها فرعون طغيانه وجبروته .. لما ذكر الله في شأنه ووصفه ، أنه جعل أهلها شيعاً ، أي جعل الأمة الواحدة شيعا ؛ حتى يستطيع أن ينفرد بكل فرقة على حدة ، لتوافقه أو ليعاقبها ، فهذه النـعرات أيضاً سياسة مدروسة ، وممارسة مشاهدة في أغلب ديار الإسلام والمسلمين ، يمارسها أولئك الحكام ، وتلك الأنظمة .

المظهر السابع : المسيرة الاستسلامية مع اليهود
التي تكشفت اليوم وقائعها ، ولم تعد بخافية على أحد ،بداية من كامب ديفيد ، وانتهاءً بأوسلو ، ومروراً بمدريد ، ظهرت الأوراق ، وتكشّفت الحقائق التي بيَّنت أن الأمر مخطط قبل أن يدخل اليهود إلى فلسطين ، وأن هناك من الزعامات ، والقيادات العربية أو الإسلامية من كان ضالعاً في تلك المؤامرات قبل أو بعد أو إلى مالا نهاية ، وكلما تشدد اليهود تنازل حكام الدول الإسلامية عن مقوماتها ، ومطالبها ، وقوتها ، وكما سبق أن طال الحديث عن " اللاءات " التي تحولت إلى عدد كبير من " نعم " ، حتى " نعم " صارت هي النغم ، هذه أيضاً من أكثر الممارسات التي بثت في الأمة فكر اليهود ، وانحلالهم ، وتفريقهم ، وعبثهم بالمقدرات ، ولعبهم بالاقتصاد ، وغير ذلك مما جرت آثاره من التطبيع الذي له أكبر وأبرز الآثار في تفريغ الأمة من كل مقوماتها .

المظهر الثامن : ترسيخ أسس الفساد الإداري والاجتماعي
وذلك من خلال صور كثيرة ، أبرزها انعدام العدل ، وانتشار الواسطة ، والمحسوبية ، والترفيع ، والإعلاء ، والتنزيل بحسب الهوى ، وبحسب اعتبارات أخرى ، مما جعل أغلب دول العالم الإسلامي ، تعاني من الفساد الإداري والاجتماعي ، وتحلل المبادئ والقيم ، حتى إن الناس صاروا يمتدحون - مثلاً - في الغرب أن الذي يعمل يجد منزلته ، بينما في ديار الإسلام الذي يعمل ويخلص لا يجد له مكاناً ، بل ويضرب على أم رأسه ، وكذلك هناك التزام بالمواعيد ، وهناك التزام بالإنتاج ، وهنا على عكس ذلك ، هناك أنظمة محكمة ، وقوانين منضبطة ، و هنا تسيّب وفوضى ، كل ذلك مبدأه من القمة التي تصدر الأدواء والأمراض في عموم قاعدة المجتمعات الإسلامية .

المظهر التاسع : إيجاد أسباب الصراع والانفجار في المجتمعات الإسلامية
إيجاد أسباب الصراع من خلال كبت الحريات ، ووجود المفارقات التي لا تبلغها العقول ، ولا ترضاها النفوس ، ويحصل هناك هذا التحول نحو الشعور بالظلم والقهر ، وكذلك التزوير والمصادرة في الانتخابات في أغلب الدول الإسلامية ، نجد القصص المضحكة والديموقراطيات ، وصور الحرية المتاحة ، وأكثر ما في هذه الحرية وجوداً ، هو أنه يسمح لك أن تتكلم ، أو أن تكتب ، لكن لا يقع في الواقع مما تقول وتكتب شيئا أبداً ، فيكون من باب تنفيس الهموم ، من غير تأثير في الواقع .

المظهر العاشر : الحرص الشديد على التستر بالدين
وهذا يكاد يكون في الفترة الأخيرة معلماً بارزاً في توجهات أكثر الدول الإسلامية ، ففي فترة مضت في غيبة الوعي ، والصحوة الإسلامية ، والقوة الإسلامية في نفوس وقلوب الناس ، كان من الممكن أن يعلنوا الكفر الصراح ، والحرب السافرة ، واليوم لأن الناس في غالبهم صاروا ينادون بالإسلام ، ويطالبون بتطبيق الشريعة ، ويرفضون كل مخالفة شرعية ، فلا بد أن تقدم هذه الأمور ، أو أن تغلّف بغلاف ، ولكن المضمون واحد من حيث السخرية والتهكم ، كما يكتب على أنواع الأسماك المستوردة " مذبوح على الطريقة الإسلامية " ، كل شيء لا بد أن يكون له ملصق بأنه صدر عن حكم إسلامي أو من منطلق الإسلام ، ورأينا اليوم من لم يكن له معرفة بالفرق بين الآية والحديث يتكلم باسم الإسلام ؛ لأن هذا الأمر أصبح أحد أسباب صمامات الأمان ، التي ينبغي الأخذ بها ، والاحتياط لها ، ولذلك هذه الجوانب كلها أفرزت وكرّست كثيراً من الصور الخطيرة في حياة الأمة المسلمة .

التربية والتعليم
أهميته وخطورته
أولاً : شمول التعليم من الصغر إلى الكبر وانتظام الأجيال القادمة تحت مناهج ومؤسسات التعليم
فإن التعليم أصبح اليوم ضرورة ، ولم يعد هناك في غالب الأحوال والمجتمعات مكان لغير المتعلمين ، وأصبح الناس يحرصون على تعليم أبنائهم أكثر من حرصهم على لقمة العيش ، أو السكن المرفّه أو نحو ذلك ، وربما يقتر على نفسه ، وعلى أسرته في مقابل أن يوفر المال ليعلم ابنه ، فهو يسلّم ابنه لهذا التعليم ومناهجه ، وبالتالي فمن أهم مكامن خطورته أنه يشمل الجيل القادم إلى حد كبير باستيعاب شبه كامل .

ثانياً : التأثير الفكري والعلمي
نعلم أن التعليم بالتعلّم ، والحلم بالتحلّم ، عندما تعلّم الإنسان ، وتركز فيه منهجاً ؛ فإن ذلك يصبغ الفرد بصبغة المنهج الذي تعلمه ، ولذلك لما جاءت الهجمة الشيوعية على ديار الإسلام صبغت المناهج بالفكر الشيوعي الأحمر .

ثالثاً : أن العملية التعليمية تتميز بالتركيز والتفاعل
فالعلم ليس مقالة تريد أن تقرأها أو كتاب تستمع به ، بل هو منهج مقرر ، يعاد ويكرر ، ثم يعرض بصورة متفاعلة ، يلقيه مدرس يسعى أن يقنعك به ، ويعيد لك القول مرة بعد أخرى حتى تفهمه ، فهو يلقنك وإن شئت قلت : يرغمك ، وأحياناً يطعّمك بتلك الأفكار والمبادئ ، فليست قضية عابرة ، فضلاً عن أن هذا التركيز يشمل صوراً من منهج محدد ، واختبارات وتأكد من الاستيعاب وحوافز للمتفوقين ، فهي عملية بنائية ، ترسيخية ، مركّزة ، مبنية على تفاعل وليست على اختيار ، ولذلك تكمن خطورتها في تلك الجوانب .

مظاهر الخلل في التربية والتعليم
المظهر الأول : الفصام النكد بين التعليم الديني واللاديني
مع بدايات القرن المعاصر ظهر ما يسمى بالتعليم الديني والتعليم المدني ، ولحق ذلك التفرقة بين الخريجين ، فالذي يتخرج من التعليم المدني يأخذ الوظائف والمناصب ، والذي يتخرج من التعليم الديني يبقى من المساكين والدراويش الذين يراوحون مكانهم ، وينتظرون فتات الرزق من موائد المتسلطين ، ثم أيضاً احتقار المدرس الذي يدرس المواد الدينية ، و من تلك المعالم أيضاً ظهور الفكر العلماني كشعار سياسي ، وتعليمي ، وإعلامي ، واجتماعي ، واقتصادي ، فالعلمنة ليست تنحية الدين عن السياسة ، بل هي تنحية الدين عن الحياة كلها .

المظهر الثاني : هامشية التعليم الديني الموجود
ورغم فصل التعليم الديني ؛ فإنه تعرض لكثير من التهميش ، من ذلك قلة الحصص ووضعها .. فحصة الدين تأتي في آخر الحصص ، أو في آخر الدوام ، مع كونها قليلة ، وأكثر الدول الإسلامية يوجد فيها- بالذات في المراحل المتقدمة في المدارس- مادة اسمها مادة الدين والتربية الإسلامية ، فيها التفسير ، والفقه ، والحديث ، والعقيدة ، وكل شيء ، ومع ذلك تتواضع صفحاتها ، وتكبر حروفها ، إلى غير ذلك من التهميش الواضح للتعليم الديني .

المظهر الثالث :عدم إدخالها في نسبة النجاح للشهادة
حيث لا تأثير لها في النسبة ، فعندما تعطى له النسبة التي يدخل بها إلى الجامعة أو ينال بها مرتبة الشرف ، يخرجون المواد الدينية والإسلامية فلا تخرج في الشهادة ، ولا تحسب في النسبة ، مطلوب منه فقط فيها النجاح ، وإذا أخفق في المواد الدينية ، وهو متفوق في غيرها ، فلا بد أن ينجح في الدينية ؛ لأنه قد تفوّق في غيرها .

المظهر الرابع : تدني علامة النجاح
فعلامة النجاح في المواد العلمية عالية ، أما علامة النجاح في المواد الدينية فتكون أقل ، ففي بعض الدول تكون علامة النجاح ثلاثين - يعني يكفي ثلاثين درجة من مئة لينجح - وفي بعضها أربعين وأكثرها خمسين مساواة مع غيرها من المواد.

المظهر الخامس : التفريغ من الهوية الإسلامية
ويظهر هذا في المواد الإسلامية وغير الإسلامية ، فلا يوجد ربط بين المواد التي تدرس ، خاصة المواد العلمية ، و المنهج الإسلامي ، حتى قال أحد الباحثين من المتخصصين بعبارة جميلة تلخص هذا المعنى : " فالسؤال الذي يبدو لي منحصراً هو إلى أي مدى ترتبط مناهجنا في التعليم وطريقة تدريس هذه المناهج بتصورنا عن فلسفة الكون وطبيعة الحياة ؟ ذلك التصور المستمد من إيماننا بالله ، و بعبارة أخرى هل هذه المناهج وفي طريقة تدريسها في أكثر الجامعات الإسلامية ترتبط بهذا التصور الإيماني ؟ " ، ثم يجيب فيقول : " لعلي لا أكون مخطئاً إن المرء سيضنيه البحث دون أن يعثر على مثل هذه الصلة ، إن العلوم في أكثر الجامعات الإسلامية التي تدرّس وهي مقطوعة الصلة بهذا التصور، ستبحث ولن تجد هذه الصلة ، وينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير ؛ فإن تلك في جانب وهذه في جانب آخر " .

إن من معالم تضييع الهوية الإسلامية في المناهج التعليمية والسياسات التعليمية ، أنها لا توضح حقائق التاريخ الإسلامي ، ولا تربط الأمة بتاريخها ، فتجد أن كتاب التاريخ المعاصر ، تزدحم صفحاته حتى يكاد الجلد أن يخرج منها ، وكما أشرت مرة في تغيير المناهج أن حظ عمر بن الخطاب وتاريخه اختصر إلى سبعة أسطر ، وتاريخ عثمان بن عفان اختصر إلى خمسة أسطر في مناهج التاريخ الذي يدرس حالياً في مصر ، سبعة أسطر وخمسة أسطر ! بينما إذا جاء التاريخ المعاصر ، والقضايا الأخرى تأخذ بعداً عميقاً ، ثم التركيز على الإبعاد عن الهوية الإسلامية ، فهناك مصر فرعونية ، والعراق آشورية ، وتركيا طورانية ، ومن هذه النسب التي لا يراد لها أن ترتبط بالإسلام ، وقريباً في مجلة الوسط تحقيق عريض في مصر عن قضايا منها الهوية ، " ما هي هوية المجتمع في مصر ؟ " طبعاً قضية العربية والإسلامية كان الأكثر لا بد أن يضعها ، لكن كثير من الآراء تركز على الفرعونية والإفريقية ، والارتباط بدول البحر المتوسط ، أي شيء يريدون أن يربطونا به ؟ لو قلنا : هي عربية وإسلامية ، يقولون : يوجد شعوب أخرى ، ولا تبقى هذه هي الهوية الأساسية التي يدور المحور حولها .
أيضاً من معالم التفريغ التركيز على التغريب أو المذاهب ، التي تتبعها السياسات التعليمة ، سواء أكانت شيوعية أم رأسمالية ، أم غير ذلك .

المظهر السادس : إهمال منارات العلم الإسلامي العريقة
فبحجة تطوير الأزهر تم تفريغه من محتواه في عصور ماضية ، وكذلك جامعة الزيتونة في تونس ، وتمّ سحب الدراسات الإسلامية ، لئلا تكون مخصصة في هذه الجامعات ، وجعل أقسام منها في كليات الآداب ، وفي أقسام وكليات ليس لها صلة بها ؛ حتى تصطبغها ببعض الصبغة ، وتبقي منها الظلال ، والآثار الباهتة ، والضعيفة ، ولذلك حتى في آخر الأخبار في الزيتونة ، يفرض على الطلاب والطالبات الدارسين في هذه الجامعة الإسلامية ممارسات وأنشطة كما يسمونها رياضية ، واحتفالات ، لا تمت للإسلام بصلة ، حتى يفرضوا على الدارس أن يمارس الخطأ ، فيدرس ما هو مكتوب ، بعيداً عما هو ممارس في الواقع ، إجباراً كما هو مشاهد .

المظهر السابع : سياسيات الابتعاث التي تهدف إلى تكريس هذا الجانب .

المظهر الثامن : انتشار المدارس والمناهج الأجنبية
وتكاد المدارس الراقية والمحترمة والمعترف بها ، تكون أجنبية في كثير من البلاد الإسلامية ، فتلك جامعة أمريكية ، وتلك مدرسة فرنسية ، لتمارس هذه الجامعات دورها بمنهج واضح ، إنها ليست إسلامية أبداً لا تتستر حتى بشيء من تلك الأستار الضعيفة أو الواهية ، وهذا كله باسم السفارات ، وباسم لقاء الحضارات ، بينما البلاد الغربية المتمسكة بهويتها لا ترضى بذلك ، وتحارب هذا ، والمدارس العربية والإسلامية في أكثر الدول الأوروبية ليس معترفاً بها بالصورة التي يعترف بمدارسهم عندنا ، بل بعض المدارس ما تزال تلاحق أو تعاني من القوانين الموجودة في تلك الدول التي لا تسمح لها بأن تكون ذات مناهج تعليمية متكاملة ، وشهادات معترف بها ونحو ذلك ، والمناهج الأجنبية ، واللغات الأجنبية ، والتدريس بها ، فعندما تدرّس اللغة الإنجليزية حتى تأتي بالمنهج الجيد في اللغة الإنجليزية ، لا بد أن يكون المدرس إنجليزياً ، والمؤلف شخص إنجليزي ، وتجد الطلاب مسلمين وعرب ، فلماذا لا يؤلف منهج يراعي هذا الجانب ؟ وتجد أن المناهج - حتى التي تدرس هنا في جامعاتنا - فيها مواضيع وقصص لا تراعي الأمور الشرعية ، فمثلاً مادة الأدب الإنجليزي فيها قصص تذكر شرب الخمور ، والقبل ، وغير ذلك من المخالفات الشرعية والمحرمات ؛ لأن الكاتب يذكر قصة قومه ، وأحوال مجتمعه ، وحتى نتعلم اللغة الإنجليزية لا بد أن نتعلم المفاسد النصرانية والغربية ، بينما يغضب منك الياباني عندما تكلمه بالإنكليزية ، بل ربما يضربك ، ويبطش بك ، و يعرض عنك ، كما حدثني كثير ممن زاروا تلك الديار ، سواء في اليابان أو في الصين ، وهو لا يقبل أن يتكلم بغير لغته ، الألمان لا يدرسون في جامعاتهم إلا باللغة الألمانية ، اليابانيون والصينيون الذين لغتهم أعقد لغة في العالم ؛ لأنه ليس لها حروف ، ليس هناك حرف وحرف وتجمع بعد ذلك الكلمات ، كل كلمة لها رسمة ، فبعدد الكلمات تحفظ الرسومات ، ويموت الكبير وهو لا يعرف كل مفردات لغة قومه ، ومع ذلك لا يدرسون إلا بلغتهم ، وإذا أخذوا هذه اللغات يدرسونها كمادة لغوية في المخاطبة ، وبالقدر المحدد ، وأغلب الدول الإسلامية تدرس باللغة الإنجليزية ، وباللغة الفرنسية ، حتى إذا تكلم الطالب من هؤلاء باللغة العربية تشك في عروبته ، ويذكرك باللهجة التي طغت علينا الآن مع كثرة السائقين والخدم ، وصارت مفرداتنا أكثر عجمة من العجم .

المظهر التاسع :اختلاط الجنسين
في أكثر الدول الإسلامية يذهب الزائر إلى الجامعة ، فلا يعرف هل هو في مؤسسة علمية أم في معرض أزياء ؟ أو في ملهى ليلي أو في حديقة لتبادل الحب والغرام ، وضياع التعليم وضياع الأخلاق في الوقت نفسه ؟ وأخيراً تمنع الجامعة من تدخل متحجبة ، أو متنقبة من باب أولى ، لماذا ؟ لأن هذا الحجاب سوف يضغط على عقلها فلا تفهم المحاضرات والدروس ، فينبغي أن تتخلى عنه ! .

المظهر العاشر : العبث بالدراسات اللغوية وإخراجها من حضانة الدين
يقولون لك : في لغة الأدب والشعر ينبغي أن لا يحكم بالإسلام من ناحية التحليل والتحريم ، وهذه أذواق وعواطف وإبداعات ، وكما قال زعيمهم الأول " طه حسين " وهو ممن بدءوا هذه المسيرة يقول : " فالذين يزعمون أننا نتعلم العربية ونعلمها لأنها لغة الدين فحسب ، ثم يرتبون على ذلك ما يرتبون من النتائج العلمية والعملية ، إنما يخادعون الناس ، وليس ينبغي أن تقوم حياة الأمم على الخداع ؛ فإن اللغة العربية ليست ملكاً لرجال الدين يؤمنون وحدهم بها ، ويقومون وحدهم من دونها ، ويتصرفون وحدهم فيها " يريد أن يدخل هو في الدفاع عن اللغة العربية وتبنيها ، ثم يقول:" لكنها - أي اللغة - ملكٌ لجميع الذين يتكلمون بها ، من الأمم ، والأجيال ، وكل فرد من هؤلاء حر في أن يتصرف في هذه اللغة تصرف المالك ، متى استوفى الشروط التي تبيح له هذا التصرف "، وطبعاً هذه الشروط تسير وفق الأهواء فيتصرف في اللغة كأنه مالكها ، وبالتالي يبث فيها سمومه ، ويضعف مقوماتها ، ونحن نعرف أن اللغة هي الوعاء الذي جاء فيه هذا الدين بكتاب الله - سبحانه وتعالى - وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومن هنا طبعاً جاءتنا الدعوة إلى العامية ، وجاءتنا مناهج الحداثة الكفرية ، وجاءتنا أيضاً الإباحية التي سماها بعض الأدباء عبيد الأدب[ نظرية الأدب للأدب ] وَ [ النظرة الفنية الأدبية ] ، بغض النظر عن أي قيمة أخلاقية أو معنى إسلامي، وكذلك جاءنا الشعر الحر ، ثم أيضاً الأدب الشعبي ، وغير ذلك من مظاهر العدوان على اللغة العربية .

المظهر الحادي عشر : تدريس التعليم المحرم شرعاً وإهدار الطاقات فيه
فعندنا كليات للقانون والقوانين الوضعية وأقسام لها ، وفي البلاد الإسلامية وهناك المعاهد العليا للموسيقى ، وكليات الفنون الجميلة التي تدرس النحت والتماثيل ، وكأننا قد ملئنا البلاد بعلماء الفلك والذرة ؛ حتى نحتاج إلى تعليم الفنون الجميلة كالرقص الشرقي وغيره ، وقد سبق أن ذكرنا في درس المجلات أن إحداهن قالت لماذا نكرّس علماء للذرة ، وأبحاث للذرة ، مما يهدد أمن العالم وسلامه ، يكفي أن نبني مدارس لتعليم الباليه ، والرقص الشرعي ؛ حتى نتطور ونرقى .. إلى آخر ما يكرّس ، وتهدر فيه الطاقات ، والأموال ، والمتخصصين ، وحملة شهادات عليا ، ودكتوراة في هذه الأمور السخيفة .

المظهر الثاني عشر : عقم العملية التعليمية
يغلب على الأنظمة التعليمية في البلاد الإسلامية الاهتمام بالكم دون الكيف ، فهم يخرجّون أعداداً هائلة ممن لا يفقهون مما تعلموا شيئاً ، بل ربما لا يعرفون مما تعلموا إلا العناوين ، أيضاً بين العملية التعليمية ، والمسائل الروتينية فالمدرس يعلّم ، وعليه أن يقسّم الدرجات بين ثلاث وأربع ، وأسئلة شفهية ، وعنده توجيه ، وعنده تصحيح ، وعنده بعض الأمور ، وأشياء شكلية كثيرة ، يعرف هو أنها شكلية ، ويعرف من يراقبه أنها شكلية ، ويعرف من وضعها أنها شكلية ، ومع ذلك هي أساسية ، ولها الأولوية ، وكل ذلك على حساب العملية التعليمية ، أيضاً بين الجانب النظري والعملي أغلب الدراسات نظرية ، أما المعامل والبحوث والتطبيقات العملية فدائرتها أضيق ما تكون بين الثبات والأنظمة المتجددة .
أكثر التغييرات في النظم التعليمية في العالم الإسلامي ، فكل يوم يخترعون نظاماً جديداً ، وطريقة جديدة ، وكذلك بين المؤهلات والواسطات التي ذكرناها ، فالذي يتفوّق ويتخرج بأعلى الدرجات لا يحظى بالفرصة لكي يدرس ويتخصص ، ويأتي غيره ممن له طرق أخرى فيصل ، وكذلك بين الانطواء النظري ، والانفتاح العملي معلوم أن الجامعات في كثير من ديار العالم ، أنها هي التي تحل مشكلات الاقتصاد ، وتقدّم التقنية ، وتطوّر المصانع ، أما الجامعات عندنا في غالب الأحوال تقدم كتباً تحفظ ، ثم يستفرغها الطلاب على صفحات الورق ، وآخر الظواهر ما تردده وسائل الإعلام الغربية من ضرورة تغيير المناهج في البلاد الإسلامية ؛ للقضاء على جذور الإرهاب ، وهو ما يسمى بـ " سياسة تجفيف المنابع " وقد بدأت بعض الدول الإسلامية بحذف بعض الموضوعات المتعلقة بالجهاد ، والعلاقة مع اليهود ، تنفيذاً لهذه السياسة .

التوجيه والإعلام
أهميته وخطورته
أولاً : اتساع دائرة التعامل
فالخطاب الإعلامي موجه للمجتمع بكل فئاته المتعلم وغير المتعلمة ويصل لجميع أفراد المجتمع .

ثانياً : تعدد الوسائل في القديم
كان هناك عندك كتاب ، وجواب ، وبحث ، أما الآن فصحيفة ، وإذاعة ، وتلفزيون ، وبث مباشر ، وفيديو ، وإنترنت .

ثالثاً : عمق وقوة التأثير
لأن هذا المعلم يبقى معك فترة ، ويتفاعل معك ، ويأتيك المشهد الذي يغيّر تغييراً قوياً في العواطف والأفكار .

رابعاً : امتداد زمن التأثير
المدرسة أربع ساعات ، أو ست ساعات ، أما هنا فمن وقت الإشراق إلى وقت الغروب.. إلى أن يدلهم الليل ، موجات الأثير تحمل لك كل شيء من هذه المواد الإعلامية .

خامساً : اتساع رقعة التأثير
فالتعليم في القرى النائية تجد هناك مدرسة واحدة ، ابتدائية ، وإذا كبرت فمعها متوسطة ، وإذا اتسعت فثانوية ، أما الجامعات فقليلة ، أما الإعلام فكل قرية فيها إذاعة وفيها تلفزيون وفيها قنوات ؛ لأن هذه القنوات تعبر القارات بدون تعب ، ولا تحتاج إلى مبان ، ولا تحتاج إلى مدرسين ، ويتكلم المذيع من مكانه ويسمع شرق الأرض وغربها .

مظاهر الخلل في الإعلام
المظهر الأول : التناقض وتكريس الخصام
فهناك برنامج ديني يقول : التبرج حرام ، ثم تأتي بعده تمثيلية فيها التبرج بأجلى صوره وأوضحها ! وهناك برنامج طبي يحذر من التدخين وآثاره ، ثم يأتي الفيلم الذي يكاد أن يخرج الدخان فيه من شاشة التلفاز من كثرة ما يرى أحياناً من كثرة المدخنين !
أيضاً إدارة للبرامج الدينية في كل دائرة تلفزيونيه ، وتقدم هذه الإدارة البرامج بعيدة من كل شيء ، صفحة إسلامية في كل مجلة وجريدة ، ليبقى هناك إسلام ، وهناك شيء لا علاقة له بالإسلام ؛ حتى المجلات التي ليس لها - كما يقولون - في الإسلام نصيب لا من قريب ولا من بعيد ، لا بد لها من صفحة في ظلال الإسلام ، أو صفحة فتاوى ، أو صفحة الدين ، كل ذلك لإيجاد هذا التناقض في حس الناس وفي واقع الحياة .

المظهر الثاني : تهوين المحرمات وتبريرها
فتمارس المحرمات عبر وسائل الإعلام بصورة تلقائية ، وتشرب الخمور ، وتمارس الفواحش ، وتظهر القبلات ، ويظهر التبرج ، ويظهر على أنه أمر عادي ، بل ربما يظهر على أنه مطلوب ومرغوب إلى آخره .

المظهر الثالث : تضييع الهوية
فلا يكاد المرء يعرف ما هي الشخصية التي يريد الإعلام أن يصوغها ، فهل هو يريدها الشخصية العربية المعتزة بعروبتها ، أو الشخصية الوطنية المنتمية لوطنها ، لا تعرف ما الذي يريده الإعلام ؛ لأنك تشاهد خليطاً غير متميز ورقع شوهاء مختلطة ممتزجة ، لا يعرف أولها من آخرها ، فليس هناك مناهج مدروسة ، ولا سياسات مرسومة في وسائل الإعلام ، بل على طريقة القس زويمر الذي قال: " لا نريد المسلمين أن يدخلوا المسيحية ، نريد أن يخرجوا من الإسلام " المهم أن يخرج من هذه الهوية ، وبعد ذلك فليضع في أي واد من الأودية ،ونرى ممارسات بلهاء في بعض وسائل الإعلام حيث لا هدف ولا غاية ، وبعضها فيها جانب آخر - وهو أخطر - وهو تركيز هويات غير إسلامية .. تركيز للمسخ الإجرامي ، بعضها يدعو إلى بعثية خاسئة ، أو شيوعية خاسرة ، أو رأسمالية ماكرة ، أو إباحية داعرة ، أو إلحادية كافرة ، إلى آخر ذلك مما يكرس هذه الجوانب .

المظهر الرابع : يأتي فقدان البعد الإسلامي في النقد والتحليل
انطلاقا من هذه الصورة الهلامية والببغاوية في التقليد ، والنقل لكل مواد الإعلام الغربية ، ننقل الأخبار ، وتقع الأحداث ، وليس هناك أي تسليط للضوء على تقويمها في ميزان الإسلام ، وارتباطها بسنن الله - عز وجل- أثرها نفعاً أو ضرراً على المسلمين ، كل ذلك لا أثر له ، لا من قريب ولا من بعيد إلا فيما ندر ، وهناك صورة أخرى تزيد في هذا ، لا تكتفي بعدم صدق النقل ، ودقة التحليل بالمنهج الإسلامي ، بل تتركه وتغير فإذا بالمجاهدين ثوّار ، وإذا بالملتزمين متطرفين ، وإذا .. وإذا ، إلى آخر ذلك فهو أيضا يزيد في بعد هذا الجانب .

المظهر الخامس : تزييف القدوات
حتى يقال للرجل : ما أعلقه ! ما أظرفه ! وليس في قلبه من الإيمان حبة خردل ، ولذلك نجد أن التسليط الذي يسلطه الإعلام وأضواءها ، تبرز قدوات يسمون بـ " النجوم والأبطال " ، وتأتينا العبارات من خلال هذه الوسائل ، سواء عن أهل الفن أو أهل الرياضة .. " حطمنا أسطورة الصين " .. " قهرنا امبراطورية اليابان " .. " هزمنا قوة الألمان " ، وذلك إما أن يكون في حصول فوز رياضي في مباراة ، أو حصول فيلم من الأفلام في مهرجان على جائزة أو مرتبة ، وبالتالي استطعنا أن ننافس ، وأيضاً تكريس ذكرى وفاة فلان .. بطولة فلان .. جهاد فلان ، ومنهجه في الحياة ، وآراءه في الأزمات ..
عندما تأتي أي قضية ، أو أي حدث ، فالذين تسلط عليهم الأضواء هي هذه النوعيات ، رغم خوائها وفسادها إلا أنها تبرز للمجتمع كقدوات ، وبالتالي تزييف هذه القدوات ، ويتأثر الناس بها سلباً في تصوراتهم وسلوكياتهم .

المظهر السادس : المتاجرة بالغرائز والتلاعب بالعواطف
أي المواد الإعلامية سواء في شرق أو غرب ، لا بد أن تأتي في هذين الجانبين .. المتاجرة بالغرائز ، والتلاعب بالعواطف -كما يقولون - مشاهد أو أفلام بوليسية ، لا بد أن يكون أساسها وبطولتها تتعلق بالحب والغرام ، والعشق والهيام ، وما يلحق بذلك من كشف العورات ، وإثارة النزوات ، وتأجيج الشهوات ، كل هذا مخالف لما ينبغي أن يكون في حياة الأمة المسلمة ، ثم كنت ربما قبل أكثر من عشر سنوات أركز على جانب التلاعب بالعواطف ، كتبت مقالاًَ بعنوان : [ الحياة فن ] ، ذكرت فيه أن الناس ينفعلون ويحزنون ، بل يبكون وتدمع أعينهم ، والسبب هو أن البطل في الفيلم مسكين حرم أو ظلم أو سجن ، وقد يفرحون ويهللون ، بمعنى أن مشاعر الحب والبغض ، ومشاعر الولاء والبراء ، ومشاعر الحماس والانفعال ، ومشاعر الانقباض والحزن ، أصبحت أمر تتسلط عليه هذه الوسائل الإعلامية ، حتى أني أعلم وأعرف في فترات مضت ، أن الشباب في سن المتوسطة والثانوية ، عندما كانوا يقرأوون قصص ، أو روايات مثل [ قيس وليلى ] ، يبقى معها وقتاً طويلاً ، وتدمع عينه ، ويحزن لمأسآة قيس وما وقع له .. كل ذلك داخل في هذا الإطار ، ويحصل من وراء ذلك إفساد الأذواق ، وتقويض الأخلاق ، وإضعاف الإيمان في القلوب ، وإجهاض الإسلام في السلوك .

المظهر السابع : تضييع الأوقات وتبديد الطاقات
أموال تصرف على هذه الوسائل في كثير من البلاد ، أضعاف أضعاف ما يصرف على الزراعة ، والصناعة ، والتعليم .
ولقمة العيش التي يبحث عنها الناس فلا يجدونها إلا ملطخة بالأوحال ، وعندما تطأ أيديهم ، بل ربما أعناقهم النعال ، ومع ذلك تصرف المبالغ الهائلة في هذه الوسائل ، رغم أن الحاجة ليست بالدرجة المهمة على هذا النسق ، ورغم أنها تؤدي هذه الأدوار السلبية ، والأوقات تتحنط أحياناً أمام أفلام الكرتون ، وتتصلب أعناق الشباب أمام المباريات ، وتتعلق أبصار الفتيات بالتمثيليات ، وتنشغل القوى الفكرية ، وتنشل الحركة المرورية أحياناً بسبب هذه الموجات الإعلامية ، وقريباً يحدثني أحد المدرسين في إحدى الكليات : أنه في يوم من الأيام كان هناك ثلاثة فصول كاملة خاوية على عروشها ؛ لأنه كانت هناك مباريات تبث في التلفاز في وقت الصباح على ما فهمت على أقل تقدير .

المظهر الثامن : تغيير الأفكار وتبديل الاهتمامات
فتغيير أفكار الناس واهتماماتهم وطموحاتهم بناء على هذا الجانب .

المظهر التاسع : تكريس التبعية وإحياء التقليد
من خلال تمجيد الأجنبي وتعظيم الغربي ، دائماً الأجنبي والغربي هو الذي يظهر في الصورة المشرقة وكذا ، والعربي والمسلم يظهر حتى في إعلامنا العربي والإسلامي ، يظهر العربي في صورة الأبله والساذج والضعيف والمتخلف ، وبالتالي نعلم أنه لا بد من خلال هذا التكريس أن يرتبط الناس بالغرب ، وبالأمم القوية ، وبالأمم المتحضرة ، وأنه لا يمكن أن نسير ولا أن نتقدم إلا إذا أخذنا هذا الجانب .

المظهر العاشر : محاربة الإعلام الإسلامي بالإعلام
فإذا تحجبت المذيعة لا يمكن أن تظهر على شاشة التلفاز ، وإذا أريد أن يكون بدلاً من المقدمات الموسيقية نشيداً إسلامياً ، فلا يمكن أن يكون ذلك ؛ لأن هذا سيظهر لماذا كان هذا هنا ؛ لأن الجانب الآخر سيكون هناك دلالة على أن الجانب الآخر محرم ، أو غير مشروع .
وأخيراً هجمة شرسة مجددة رغم الإعلام الذي ذكرنا فيه هذه المظاهر من الخلل ، إلا أن هناك أمور تزيد على هذا مثل ما قرأت في ندوة في مجلة [ روز اليوسف ] حول الرأي الآخر في وسيلة التلفاز يقول بعضهم : أن التلفاز وسيلة ترفيه ، وليس مجال لطرح الآراء والأفكار ، يعني الناس لتضحك ولتنام ، ولتستمتع وتعيش كما يعيش المخدرون من المدمنين ، وكذلك هجمة قوية ، ومزيد من الانحلال ، بل ذكر بعض الكتاب أن مرد التطرف الذي يسمونه ، ويدعونه أن أجهزة الإعلام كرست هذه الجوانب عن طريق البرامج الدينية التي بثت هذه الأفكار ، وقد سبق أن ذكرنا قبل ذلك عدد ساعات البث وموازينها ، أقول : أيها الإخوة إن الموازين انعكست ويذكرنا ذلك بقول أبي العلاء المعري :
إذا وصف الطائي ب
remove_circleمواضيع مماثلة

اعلانات نصية