السيرة النبوية ...رحلة الطائف
لونك المفضل
الألوان

منتدى شملت والنيه اربد



كلمات دليلية:

السيرة النبوية ...رحلة الطائف Emptyالسيرة النبوية ...رحلة الطائف

avatar
شملت والنيه اربد
المدير العام

المدير العام
 نُشر في الأربعاء 18 يناير 2012 - 4:41


السيرة النبوية ...رحلة الطائف


تحمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تنوء الجبال بحمله، ولما تكالبت الفتن والمحن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بلده الذي نبت فيه وبين قومه الذين يعرفون عنه كل صغيرة وكبيرة، عزم -صلى الله عليه وسلم- على أن ينتقل إلى بلد غير بلده، وقوم غير قومه، يعرض عليهم دعوته ويلتمس منهم نصرتهم؛ رجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله -عز وجل-، فخرج إلى الطائف، وهي من أقرب البلاد إلى مكة لإيجاد مركز جديد للدعوة.

كانت الطائف تمثل العمق الإستراتيجي لملأ قريش، بل كانت لقريش أطماع في الطائف، ولقد حاولت في الماضي أن تضم الطائف إليها، فإذا اتجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف فذلك توجه مدروس، وإذا استطاع أن يجد له فيها موضع قدم وعصبة تناصره، فإن ذلك سيفزع قريشًا ويهدد أمنها ومصالحها الاقتصادية تهديدًا مباشرًا، بل قد يؤدي لتطويقها وعزلها عن الخارج، وهذا التحرك الدعوي السياسي الاستراتيجي الذي يقوم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدل على حرصه في الأخذ بالأسباب لإيجاد دولة مسلمة أو قوة جديدة تطرح نفسها داخل حلبة الصراع؛ لأن الدولة أو إيجاد القوة التي لها وجودها من الوسائل المهمة في تبليغ دعوة الله إلى الناس.

عندما وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف اتجه مباشرة إلى مركز السلطة وموضع القرار السياسي في الطائف، اتجه إلى بني عمرو بن عمير الذين يترأسون الأحلاف ويرتبطون بقريش، وكان خروجه من مكة إلى الطائف على الأقدام، ورافقه في هذه الرحلة زيد بن حارثة.

كان بنو عمرو قومًا لئامًا أغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويرمون عراقيبه بالحجارة، حتى أدموا عقباه وتلطخت نعلاه، وسال دمه الزكيّ على أرض الطائف، وما زالوا به وبزيد بن حارثة حتى ألجؤوهما إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، فلما أساء أهل الطائف للنبي -صلى الله عليه وسلم- رجع إلى مكة مرة ثانية، وكان قد عزم على دخولها، غير أن ظاهر الأحوال تدل على أن دخول مكة لم يكن أمرًا هينًا ولا آمنًا هذه المرة، وهنالك احتمال كبير للغدر به ولاغتياله من قبل قريش، التي لا يمكن أن تصبر أكثر، وهو قد أعلن الخروج عليها وذهب يستنصر بالقبائل الأخرى، ويوقع بينها وبين حلفائها، ثم إنه حتى لو لم تكن هناك خطورة على شخصه، فإن دخوله إلى مكة بصورة عادية وقد طردته الطائف، سيجعل أهل مكة يصورون الأمر كهزيمة كبيرة أصابت المسلمين ويجترئون عليهم ويزدادون سفهًا،
فلم يدخل مكة مباشرة، بل توجه إلى حراء أولًا، ومن هناك بعث رجلًا إلى المُطعم بن عدي سيد قبيلة بني نوفل بن عبد مناف وطلب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدخل في جواره، فقبل المطعم ذلك ودعا بنيه وقومه فقال: "البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدًا".

فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى: "يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدًا فلا يهجه أحد منكم"، فانتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى بيته، والمطعم بن عدي وولده محدقون بالسلاح حتى دخل بيته.

لقد تغير الوضع كثيرًا، فبدلًا من أن يدخل مكة منهزمًا مختفيًا دخلها ويحرسه بالسلاح سيد من سادات قريش على مسمع منهم ومرأى، وقد حفظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صنيع مطعم بن عدي، وعرف مدى الخطورة التي عرّض نفسه وولده وقومه لها من أجله، فقال عن أسارى بدر السبعين يوم أسرهم: ((لو كان المطعم بن عدي حيًّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له)) [رواه البخاري].


لقد حققت رحلة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف انتصارات دعوية رفيعة المستوى مع أن أهلها أساؤوا استقباله ولم يقبلوا دعوته، فقد تأثر بالدعوة الغلام النصراني عدَّاس، الذي أسلم، كما وصلت الدعوة إلى الجن السبعة الذين أسلموا ثم انطلقوا إلى قومهم منذرين، وهذه تعتبر مكاسب دعوية.



وأما إسلام الجن: فلما انصرف النبي -صلى الله عليه وسلم- من الطائف راجعًا إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف، حتى إذا كان بنخلة، قام من جوف الليل يصلي، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تعالى، وكانوا سبعة نفر من جن أهل نصيبين، فاستمعوا لتلاوة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فلما فرغ من صلاته، ولَّوا إلى قومهم منذرين، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا، فقص الله تعالى خبرهم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(29-30) سورة الأحقاف].

هذه الدعوة التي رفضها المشركون بالطائف، تنتقل إلى عالم آخر هو عالم الجن، فتلقوا دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومضوا بها إلى قومهم: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(31) سورة الأحقاف].

وأصبح اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- تهفو إليه قلوب الجن، وليس قلوب المؤمنين من الإنس فقط، وأصبح من الجن حواريون حملوا راية التوحيد، ووطنوا أنفسهم دعاة إلى الله، ونزل في حقهم قرآن يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا* وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا* وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا* وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا* وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا* وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا* وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا* وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا* وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا* وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا} [(1-13) سورة الجن].

وبعد عدة أشهر من لقاء الوفد الأول من الجن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء الوفد الثاني متشوقًا لرؤية الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- والاستماع إلى كلام رب العالمين، فعن علقمة قال: "سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟"، قال: "لا، ولكننا كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشِّعاب، فقلنا: استُطِير أو اغتيل، قال: فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فقلنا: يا رسول الله، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا شرَّ ليلة بات بها قوم"، فقال: ((أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن))، قال: "فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: ((لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم))، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم)) [رواه مسلم].


كان هذا الفتح العظيم والنصر المبين في عالم الجن إرهاصًا وتمهيدًا لفتوحات وانتصارات عظيمة في عالم الإنس، فقد كان اللقاء مع وفد الأنصار بعد عدة أشهر.

دمتم برعاية الرحمن وحفظه

remove_circleمواضيع مماثلة

اعلانات نصية