مواطن أردني يروي مشاهداته لأيام الغضب المصري
لونك المفضل
الألوان

منتدى شملت والنيه اربد



كلمات دليلية:

مواطن أردني يروي مشاهداته لأيام الغضب المصري  Emptyمواطن أردني يروي مشاهداته لأيام الغضب المصري

لينا
لينا
المدير العام

المدير العام
 نُشر في الثلاثاء 1 فبراير 2011 - 0:17

هبطتْ الطائرةُ في مَطارِ القاهرةِ الدوليّ وبدأ المسافرون بالتوافد إلى صالة القادمين في المطار، كانوا يمرُّون من تحت لافتة تقول "ادْخُلوا مصرَ إنْ شاءَ اللهُ آمنين".

كنتُ وقتها قد توجهتُ إلى القاهرةِ لحضورِ مؤتمرٍ يَعْقِدُهُ المجلسُ العالميّ للمشاريعِ الصَّغيرةِ والرِّيادية في الرابع والعشرين من يناير.


وانطلقتُ في صبيحةِ ذلك اليومِ إلى فندقِ "سميراميس إنتركونتننتال" وهو فندقٌ عريقٌ يقبعُ على نهرِ النيل العظيم منذ قرن من الزمان.


بدأَ المؤتمرُ بالحديثِ عنْ أهميَّةِ المشاريعِ الصغيرةِ في توفيرِ فرصِ العملِ للشَّباب وبدات الوفودُ القادمةُ من مختلفِ دولِ العالم بعرضِ تجاربِها في مجال تنميةِ العملِ الرِّياديّ بين صفوف الشباب، والحديث عن حجمِ مساهمةِ المشاريعِ الصغيرةِ في تحفيز دوران عجلةِ الاقتصاد والتنمية الإقتصادية. وقتَها استَوْقَفَني كلامُ وزيرِ التِّجارةِ والاستثمار المصري المهندسِ رشيد الذي أقر بأن على مصر أن توفر مليونَ فرصةِ عمل سنويا، وأقرَّ كذلك بعدمِ استِطاعتِها توفيرَ النصف في الوقتِ ذاته! و ترجمَ الحضورُ هذا الكلام على أنَّه مؤشرٌ خطيرٌ يؤثِّرُ على استقرارِ مصرَ التي يبلغُ تِعدادُها أربعةً وثمانينَ مليونِ نسمة يعيش 50% منهم تحتَ خطِّ الفقر حيث تشيرُ الإحصائياتُ إلى أن حوالي 20 مليون نسمة يعيشون بدولار واحد يومياً، بينما يعيش 20 مليون آخرين بدولارين.


وأثناء إجراء بعض المحادثات الجانبية، أكَّد بعضُ المسؤولين المصريين أنَّ مصرَ "ليست تونس"، التي يعتبرونها "حالة مختلفة" عن مصر التي تتمتع "بخصوصيتها".

شقَّتْ السيارة التي تُقلُّني، طريقَها نحو الفندقِ الذي أُقيم فيه، في الجانب الآخَر من المدينة في مصر الجديدة، فحدثني مضيفي في الطريق إلى الفندق ان ازمة السَّير الخانقة ناجمةٌ عن توتر الناس، وقال : "بُكْرَة مِشْ حَيْكون يوم طَبيعي".


كان اليومُ الذي يتحدَّثُ عنه يوم الخامس والعشرين من يناير، وهو عطلةٌ رسميةٌ بمناسبة عيدِ الشُّرطة الذي يُخَلِّدُ مجزرةُ الاسماعيليَّة التي ذهبَ ضَحيَّتُها حوالي خمسين شهيداً وثمانين جريحاً من رجالِ الشُّرطةِ المصريةِ على يدِ الاحتلالِ الإنجليزي في 25 يناير من عام 1952 بعد أن رفضتْ الشُّرطة المصرية تسليمَ سِلاحِها وإخلاءِ مبنى المُحافظةِ للجيش الإنجليزي.


لقد اختارَ الشَّبابُ المتعلِّمُ والمثَّقفُ هذا اليومَ ليبعثُوا برسالةً سلميةً إلى النظامِ الحاكم في مصر من خلال القيام بمسيراتِ احتجاجٍ على الأوضاع السَّيئة التي يعيشونها. سألتُه وقتَها: "هل هيَ عدوى تونس؟" فأجاب: "الشَّباب بيقولوا التَّوانسة عِمْلوها في تلاتين يوم، واحنا حنٍعْمَلْها في تلات ايام"، الغريب في الأمر، أنَّ الشباب الذين دَعَوْا للتَّظاهر همُ انفسهم الذين نظَّمُوا كل ذلك بصورة جماعية، فقاموا باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ومن أبرزها الفيسبوك، تماماً كالسيناريو الذي حدث في تونس!


وصلتُ إلى الفندقِ وبدأتُ بمتابعةِ التلفزيونِ الرَّسمي المصريّ، والذي تفرَّغ بشكلٍ شبه كليّ للهجوم على قناة الجزيرة، الأمر الذي كان يُعتبر مؤشراً على مدى خوفهم من تصعيد الأمور، لذلك قاموا بتحذير النَّاس من مشاهدة الجزيرة. بناءً على نصائح الأصدقاء لي، فقد قرَّرتُ أنْ لا أتحرَّك من الفندقِ يومَ 25 يناير، وأن أقوم باستقبال بعض الأشخاص لعقد المزيد من الاجتماعات.

بدأ النهار قاهرياً لطيفاً في ذلك اليوم، حيث توافدَ بعضُ الشَّبابِ إلى ميدانِ التَّحرير، أكبرُ ميدانٍ في مصر، حيث كان يُسمَّى ميدان الاسماعيلية في السَّابق، إلا أنَّ اسمه غير الى ميدان التَّحرير فيما بعد، وهو يضُمُّ المتحفَ المصريّ والجامعةَ الامريكيةَ في القاهرة ومقرَّ جامعةِ الدولِ العربية، فضلاً عن مجمَّعِ الدوائر ِالحكومية المعروف باسم مجمَّع التَّحرير.


وكما شاهدَ الجميع، بدتْ الأمورُ طبيعيةً وسلميةً فعلاً، وكان من الممكنْ أنْ ينتهيَ كلُّ شيءٍ بشكلٍ طبيعيّ في نهاية اليوم، الا أن تدخُّلَ الأمنِ ومواجهتِه لهذه المسيرات بالعصيّ والحديد والنار، أدَّى إلى تسارعِ الأمورِ والأحداث.


لم أتمكَّن من عقدِ أيّ اجتماع يوم 25 يناير، وكان عليّ أن انتظرَ حتى يوم السادس والعشرين، حيث كنتُ قد رتَّبتُ بعضَ الاجتماعات ومن أبرزِها اجتماعٌ مع أحدِ المسؤولين المصريين، الذي زارني في الفندق وبدأ حديثَه قائلا : "كل شيء حيتغيَّر، النَّهاردة كان عندنا اجتماع وقرَّر الوزير إننا لابد ندعم الطَّبقات الفقيرة". سكتَ لحظةً ليلتقطَ أنفاسَه وشرب قليلاً من الماء، ومن ثمَّ أكملَ حديثه قائلاً: "الوزير قال بالحرف الواحد: لازم عمّ عبدُه البقّال يُشعر إننا موجودين. احنا بندعم اللي معاهم واللي ما معهمش هم الأكثر.

من بكره عاوزين ننزل الشارع ونساعد الفقرا بجد"! انتهى الاجتماع وعدتُ إلى غرفتي لأتابع التلفزيون الذي كان يبثُّ لقاءاتٍ مع بعض علماءِ الدين،حول حرمة الانتحار! بعدها توحدث علماء نفس حول كيفية سيطرة الإنسان على غضبه و كَبته. تحولتُ بعدها إلى الجزيرة لأجد أن الأمور تلتهبُ بشدة والمظاهرات تعمُّ في كل مكان. في يوم السابع والعشرين من يناير توجهتُ إلى مكاتبنا الموجودة في مصر الجديدة، والتقيتُ بعضِ الموظفين هناك وتحدثنا كيف أنَّ "الدنيا مش لطيفة".


فجأة وحوالي الساعة الرابعة بدأ الموظفون بطلبِ السَّماحِ لهم بالعودة إلى بيوتهم لأن "الدنيا متلخبطة في البلد"، يعني في ميدان التحرير.


وبما أن "الدنيا متلخبطة"، قررتُ أن أعود للفندق لألتقي أحد الأصدقاء حوالي الساعة السابعة وغير انه كلَّمني وقال: "في قلق جامد جدا".


حضر يومها في الساعةِ التاسعة وما إن جلس حتّى قال: "بص، رياح تونس وصلت القاهرة، والأغبيا اللي في السلطة ما شموش ريحة القهوة".

سألته عما يجري فقال لي: "المظاهرات ابتدأت بالهتاف التالي: حرية، تغيير، عدالة اجتماعية، والنهاردة الهتاف بقى: الشَّعب يريد اسقاط النظام. دة كلام كبير....قوي".


تحاورنا لمدة ساعة تقريباً وعند انصرافه التفتَ إلي قائلاً: ما تخرجش من الفندق، بكرة الجمعة والناس كلها طالعة". شعرتُ وقتها أنّ هذه دعوةٌ مؤدبة لي لأخرجَ من البلد حرصاً على سلامتي! عدتُ لغرفتي لمتابعةِ التلفزيون والإنترنت،و لاحظتُ أنه قد تمَّ اغلاق موقع الفيسبوك،و انقطاع كافة خدمات الانترنت.


حاولتُ الاتصال ببعض الاصدقاء للتأكد من الأمر، فاكتشفتُ أن خدمات المحمول قد تم قطعُها أيضا.


لقد قامتْ الحكومةُ بالتَّخطيط لذلك كلِّه، من أجل قطعِ التَّواصلِ بين الشباب المصري لكي لا يتجمعوا يوم الجمعة، ناسين أو متناسين أن الجمعة جامعة منذ أن سُنَّتْ على هذه الأمة العظيمة.


وجاء يومُ الجمعة الغاضبة، الثامن والعشرين من يناير، يومها حبستُ أنفاسي مع جميع أبناء الوطنِ والعالمِ بانتظار ماذا سيحدث بعد صلاة الجمعة.


بدأت مصرُ بالاحتراق وبدأ الشَّارع بالغليان وبدا أن الوضع يتفاقمُ شيئاً فشيئاً وبدأت وقتها الانهيارات، وحان وقتُ الرحيل بالنسبةِ لي وبالنسبةِ لعهدٍ طويلٍ من القمعِ والاضطهاد. لم اتمكَّن من السفرِ يومَ الجمعة، حيث بدأت اتوتر شيئاً فشيئاً، فمن جانب، وددتُ أن أكون مع الشعبِ المصريّ الذي أحبه وأحترمه في يوم ميلاده، إلّا أنني خشيتُ أن تُعتَبر مشاركتي في المظاهرات بأنها "أيدِ خارجية تهدِّد أمنَ مصر".


ومن جانب آخر، فأنا لابد أن أعود الى بلادي. لا يُمكن الاتصال بأحد والانترنت مقطوع والوضع يزداد سوءاً. أثناء هذه الحيرة، طُرِق الباب ففتحته لشابٍ مصري يعملُ في الفندق، وأخبرَني أنه يريد أن يتأكد فيما إذا كنتُ بحاجةٍ لأي شيء! سألته عن الأوضاع في الخارج، فقال: "بصراحة أنا جاي اعرف هو بيحصل ايه بره! الاتصالات مقطوعة وما فيش تلفزيون تحت وانا بزور غرفة غرفة أبص على التلفزيون. هو بيحصل ايه؟" فأعطيته ملخصاً عن الأمور وطمأنته قليلاً ثم انصرف. جاء يومُ السبت 29 يناير، حيث تم الحجز لي على متن الخطوط الجوية الملكية الأردنية إلى عمان على الرغم من أنني كنتُ قادماً من دبي.


أتممتُ إجراءاتِ الخروجِ من الفندق لكنني لم أجد أية وسيلة للوصول الى المطار.


أخبرني موظف الاستقبال أنه: "ما فيش سواقين ولا عربيات". بدأتُ حواراتٍ عديدة مع بعض المسؤولين في الفندق الى أن استطاعوا الحصول على تاكسي. ركبتُ التاكسي مع السائق "شعبان" الذي سألني عن وجهتي فقلت له: الأردن. فقال: "ما هو فيه مظاهرات هناك برضه ما تخليك هنا!؟".


طبعاً شرحتُ له الاختلاف بين الاردن ومصر وقلتُ له: تونس "حالة خاصة" ومصر "حالة مختلفة" والأردن "حالة مختلفة جدا" نُسَّميها "الخصوصية الاردنية!". ببطء شديد أنهيت اجراءات السفر وتجولتُ في المطار الذي اكتظَّ بالمسافرين والذين كانوا يتشاركون نفس التوتر حول امكانية عدم تمكنهم من السفر لأي سبب. انتظرنا طويلا للصعودَ إلى الطائرة ما حدا بي أن أُدخنَّ سيجارة قبل صعودي للطائرة، و بالرغم من امتلاء المكان بلافتات الامتناع عن التدخين، تقدمتُ نحو رجل امن يجلسُ أمام بوابة التفتيش للدخول إلى قاعة الصعود الى الطائرة. قلت له: "عايز أشربْ سيجارة". دعاني للجلوس بجانبه وقد لاحظتُ بأنه يدخن بشراهة. بدأت بالتدخين وأنا أجلسُ الى جانبه، وبدأ يتحدَّثُ عن نفسهً وأنَّه من شبرا التي تُعدُّ من أكثر المناطق اكتظاظاً في القاهرة. أخبرني أنه قد شاهد بأم عينه كيف احترق قسم الشرطة في شُبرا وكيف أن المحال التجارية قد نُهبَت وسُلِبَت. بدا لي وهو يدخن أنه في غاية الإرهاق، فهو يعمل منذ الصَّباح الباكر وحتى إشعارٍ آخر! التفَّ حولي بعضُ رجالِ الأمن وهم يتحدَّثون عن آخرِ المستجداتِ، و كانوا في اقصى حالاتِ التوتر، فأخبرني أحدهم :بأن "الأمور في البلد زِفْت وأن البيوت تُنْتَهك حُرُماتُها والناس هايجة". ودَّعتُهم وتمنيتُ السَّلامة لهم ولأسرهِم وتوَّجهتُ إلى الطائرة. انتظرْنا ساعةٍ ونصف في الطائرة ونحن في حالة توتر، فلم نعرف ما هو سبب التأخير وبدأ الأملُ بالسَّفر بالتلاشي شيئاً فشيئاً. وما ان بدأت الطائرة بالتسارعِ على المدرج والارتفاع تدريجياً في الجو حتى بدأ المسافرون بالتصفيق وسرى جو من الارتياح بينهم. بالنسبة لي، فقد دخلتُ مصرَ وخرجتُ منها "آمناً" بحمدِ الله.


أتمنى لمصرَ ولكل المصريين الأمنَ والأمان والحرية والعدالة الاجتماعية. كلَّما أخذت الطائرة بالارتفاع كلما زاد التساؤل في داخلي: يا ترى هل وُلِدَتْ مصر من جديد بينما كنتُ في مصر؟
remove_circleمواضيع مماثلة

اعلانات نصية